13‏/03‏/2018

وقفات مع الدعوة الإسلامية في شبه القارة الهندية

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وبعد : فأقول وبالله التوفيق :

أهمية الدعوة:
إن الدعوةالإسلامية من الأمور المأمورة بهاالأمة الإسلامية وهي من أهم واجباتها التي فرضهاالله عليها وسبب خيريتهاوفضيلتها على سائرالأمم يقول الله جل وعلا : ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ﴾ آل عمران 110
ووقد روى الترمذي  عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه سمع  النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ قال"أنتمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ" رواه الترمذي5/104 برقم (3001) و قال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وأخرجه الحاكم في المستدرك و قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي عليه) وقال سبحانه وتعالى :﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ  (سوره آل عمران اية 104) يقول الإمام ابن كثيررحمه الله في تفسيرهذه الآية :المقصودمن هذه الآية أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذاالشأن وإن كان ذلك واجباًعلى كل فرد من الأمة بحسبه كماجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم "من رأى منكم منكراً فليغره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه , فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " وفي رواية : "ليس وراءذلك من الإيمان حبة خردل "( رواه مسلم في الإيمان:1/69) .
هذه النصوص المذكورة وغيرها تبين أهمية الدعوة وفضلهاوإنها من أسباب الفلاح للأمة الإسلامية فتحقيق الفوز والنجاح وإحراز الانتصارات ينحصر على الدعوة إلى الله والإعراض عنهايؤدي إلى الخذلان والخيبة, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :"والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكرأو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباًمنه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " (رواه الترمذي في الفتن:4/468 وحسنه و حسنه الألباني أيضاً)

أهمية المنهجية السليمة في الدعوة :

المنهجية السليمة من أهم أساسيات التحاور  تتوافق الزمان والمكان يقوم بها الداعية حسب مرتبته وعلمه ومكانته في المحجتع المستهدف, وظروف  شاملة لأفراده . ويستضاء في هذا المنطلق بأساليب مبينة ومفسرة في القرآن الكريم والسنة النبوية في بيان دعوة الدعاة المرسلين والهداة المهديين ,فالله سبحانه وتعالى يذكرنبيه نوح عليه الصلاة والسلام ويبين أسلوب دعوته وجهده وصبره وتواصله بالناس ويذكرإبراهيم ويوضح منهجه في دعوة قومه وقيامه أمامهم مع البراهين القاطعة والأدلة القوية الغالبة فأبهتهم في بهتهم وتركهم حيران مغلوبين وذكرصبره وضحية نفسه و أسرته في سبيل الله.
ويذكر موسى وعيسى وهرون وأيوب ويونس وهوداً وصالحاً وغيرهم من الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ويبين مناهج وأساليب دعواتهم و استغلال قواتهم ونظراتهم في سبيل الدعوة وولعهم في إنجاحها , لونذكرهم بالتفصيل لطال بنا الكلام .
وأن على الداعية التمعن والنظرفي أساليب دعوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة من البعثة إلى الموت وما سلك به أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين مقتدين بطريقته ومقتفين بأثره صلى الله عليه وسلم , وقد غلبوا بها نصف الدنيا في وقت قليل معدود.  يقول الإمام مالك رحمه الله : "لن يصلح آخرهذه الأمة إلا بما صلح بهاأولها" فالمنهجية القويمة سرنجاح الدعوة الصحيحة السليمة .فلايخلوللدعوة الصحيحة إلا أن يستغل بها في عملية الدعوة في أي بقاع الأرض وفترة الزمان. وإلى هذه النكتة المهمة أشير في النصوص التالية :
قال النبي صلى الله عليه وسلم :" خيرالقرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" .
وقال :  " تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة ، كلهم في النار إلا فرقة واحدة " ، قالوا : وما تلك الفرقة ؟ قال : " ما أنا عليه اليوم وأصحابي " .
وقال : "  يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها".
فنظرا للخطة الموضحة أعلاه نأتي إلى الموضوع الأصلي ونقول وبالله التوفيق :
الإسلام في الهند :
إن الهند منطقة من مناطق آسيا تقع في جنوبها و يحدها  المحيط الهندي من الجنوب وخليج البنغال من الشرق وبحر العرب من الغرب  وتتصل حدودها من باكستان والصين وبوتان وتبت وبنغلاديش  وعدد سكانها أكثر من بليين (1,210,193,422) وهي 17% في المائة بعدد سكان العالم حسب إحصائية مارس عام 2011 م .  ومن الدول الشقيقة المجاورة لها دولتان مسلمتان وهما باكستان وبنغلاديش وبقيتها غير مسلمة , وأما باكستان فليس بينها وبين الهند علاقة سوية سياسيةً واقتصادية بعد الانقسام كما هي معروفة في المجتمع العالمي فلا تكاد توجد العلاقات الدعوية بين علمائهما فصارلهاأثركبيرفي تبطؤ الدعوة الصحيحة أو تفقد السرعة الدعوية كما كانت تطالب .
وأما بنغلاديش فهي في حاجة ماسة إلى الدعوة الخالصة بقيام المعاهد الإسلامية والمراكز الدينية والتعليمية وذلك لعدم تحسن نظامها الاقتصادي والسياسي بعد انشقاقها من باكستان عام 1971 م . والوضع السياسي الراهن والاضطرابات الاجتماعية  هناك قد أدت الحياة الاجتماعية والاقتصادية والتوعوية إلى حد الدمار و الخراب والله المستعان. 
 وإن الإسلام دخل  الهند في عصر الصحابة رضي الله عنهم فرداً وجماعةً بواسطة تجار العرب المسلمين وبحارتهاالذين  كانوا يرتادون شواطئ الهند الغربية ثم وصلوا إلى شواطيها الشرقية حتى جاء المجاهد الشاب محمد بن قاسم الثقفي رحمه الله في عهد الخليفة وليد بن عبد الملك في عام 93 هـ (الموافق : عام 712 م) وأسس دولة إسلامية ففتحت  أبواب الدعوة الإسلامية وتبليغ شعائرالدين الإسلامي الحنيف بدون تشوش وتضايق , وجعل الدعاة والعلماء المحدثون يفدون إلى الهند ويبلغون الإسلام أمام سكان الهند في صورة نقية صافية من التدقيق المنطقي والتقليد الأعمى ومذاهب المتصوفة الخادعة حتى حظي الإسلام بدخول عدد كبير من سكانه في حضنه .
ثم اعثرت المشاكل مع مر العصور في سبيل الدعوة إلى الله من جهات متعددة مع أساليب خاطئة ناشئة لقضاء الدعوة الإسلامية فابتليت الأمة الإسلامية بها ابتلاءً لم تخرج منها حتى الآن , وواجهت الدعوة الإسلامية التشوه الفكري والعملي في طريقها مع عدم تقصير الدعاة الحاملين بمهمة الدعوة الخالصة . وهانحن ننظر الأسباب والعوائق التي شوهت صورة الدعوة الحقيقية :
(1) الاختلاف الناشئي في الأمة بسبب ترويج المذاهب التقليدية الجامدة المخالفة للاتباع الصحيح الموافق للكتاب والسنة وترك العمل والفكر الصحيح الموافق  لنصوص الكتاب والسنة الصحيحة , لأن أصحاب المذاهب التائهة عن الطريق الصحيح جعلوا يحاولون إثبات منهجهم ومذهبهم وإبطال منهج غيرهم بمحاولة غيرقاصرة فأدت هذه الفكرة الخاطئة والجهد السلبي إلى تحزب المسلمين وتشتت صفوفهم فانحصرت الدعوة الصحيحة واغتنم به أصحاب الزيغ والضلال وحاولواتشويه صورة الإسلام الصافية وتمزيق صفوف المسلمين وللتغلب على الإسلام وأهله والقضاء عليهم .
(2) تأثرالمسلمين من الهنود في الأعمال الرائجة بينهم في أعيادهم وأمور دنياهم كالزواج والطلاق والوراثة وغيرها لقلة علمهم ومعرفتهم عن الشعائرالإسلامية الصافية فجعل جهلة العوام يعتقدون الأعمال البدعية و الشركية ديناً وشريعةً وإنها لتروجت بينهم في كل شؤون حياتهم من الولادة إلى الوفاة وإنها لاصطبغت كثيراً في عهد الملك المغولي الملحد " أكبر" الذي قادحركة الإلحاد بمساعدة علماء السوء فأعلن عن إيجاد الدين الجديد " الدين الإلاهي" إزاء الدين الإسلامي وكان قد تزوج إمرأة كافرة هندوسية تسمى "جودها" وجعلها ملكة الهند وجعلها في كثير من  الأمورالسياسية دخيلة والسياسيون الطماعون   والعلماء  المغمورون في الجشع  والطمع حاولوا لإفساد الأمور الدينية طمعاًلحصول الدنيا فصار الإسلام وشعائره مهجوراً وتسربت البدع و الخرافات والمخالفات العقيدية للشريعة الإسلامية إلى صفوف المسلمين .
(3) التصوف ومساراتها المتعرجة : لايخفى على أهل البصيرة ماتكمن الصوفية من أعمال غيرالشرعية ومخالفات الدين الإسلامي الصحيح وما لها من دورمظلم في إضلال المسلمين وتبعيدهم من الكتاب والسنة الصحيحة . وقديدعى بأن الإسلام قد جاء بالهند بواسطة المتصوفين وجهدهم  وهذا إدعاء فاشل وكذب بهت لأن الإسلام قد دخل الهند كما عرفتم قبل وجود المتصوفين بسنين بل قرون على أيدي تجارالعرب وبحرتهم في زمن الصحابة والتايعين لهم بإحسان.
نعم , هناك دعوات لها الحقيقة بأن كثيراَ من العوام الهندية قد دخلت في مسمى الإسلام غير معتنقين له لما رأو من أعمال خداعة ودجالة باسم الكرامات وبل هي خرافات وسحرات العيون . ولانبالي ان نقول بأن دخولهم ماكان الدخول في الإسلام بل دخولهم في التصوف المتعرج. لذا نرى أكثرهم منغرقين في الشرك والبدعة والخرافات وقد تراهم أكثر عدداً بالهند ولتجدهم دائماً غارقين في أساطيرهم ومشغولين في خرافاتهم  عند زواياهم ومجتمعاتهم وأعيادهم المخترعة وفي بيوتهم مع عامتهم وخواصهم .
وإن أعمال هذه الطائفة الضالة أكثرتأثيراً في إغواء الناس وتضليلهم لأنها تقدم كمحسنة الأعمال ومسببة النجاة فلايحصل لهم التوفيق  للتوبة والرجوع إلى الكتاب والسنة الصحيحة .
والحقيقة العجيبة أن أعمال المتصوفين الشركية تتوافق99% في المائة مع طرق عبادة الهندوسيين والبوذيين والسيخ وغيرهم ممن ينتمون إلى الديانات الفاشلة كما تلاحظ في غالب أقطارالهند . وزوايا مزورة بإسم الأولياء والمقابرالمخترعة مملؤة في كافة أنحاء شبه القارة الهندية وكل من خدامها ومجاوريها من مدعي ديانة الصوفية .  والعجب العجيب على من يدعون باقتناء الكتاب والسنة والمعروفين بجهد دعوة المسلين ينتمون إلى التصوف جهاراً ويعتبرونه ديناً وصلاحاً ويقرأون في المساجد والمجالس كتباً مشحونة بقصص متصوفة واهية وروايات مكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين لهم بإحسان والله ورسوله بريئان من هذه الأكاذيب المضلة.
والحق الملاحظ بأن هذه الطائفة يخرج معها جهلة العامة ويرجعون مع جهالتهم ويعتبرون أنفسهم ذوي علم وعمل والناس يعتبرونهم كذالك فيستفتونهم فيفتونهم مع جهلهم فيضلونهم ويضلون أنفسهم ولنا تجارب كثيرة معهم لو ذكرناها لطالت بنا الكلام .
(4) الأفكارالناتجة  من الأزياء المستحدثة المغوية :الأفكار المستوردة من الثقافة الغربية أو الناتجة من الأزياء المستحدثة هي سبب أساسي لإضلال أبناء الإسلام التي آتاهم فكرة التجددفي العيشة المدنية والعبادات والمعاملات وحتى في شؤون الحياة كلها.لذارأينا في الآونة الأخيرة في فكر هؤلاء المتجددين وتعاملهم مع أفكارهم وتطبيقاتهم للشريعة الإسلامية السمحة الخالصة في الفكروالتطبيق العملي السهلاء نشاطهم ودورهم في تعارض أحكام الشريعة مع العيشة المنحرفة الضالة عن الحياة السوية إلى العيشة المتعارضة بين الغرب والشرق . وحبذا يوجد التطبيق العملي للشريعة فهناك المحاولات المنكرة في توافقها مع  الأزياء المستحدثة الخطرة للشريعة السمحة التي كانت توجد في الصدرالأول للإسلام .
(5) محاولات هادفة ضد الدعوة الحقيقيةالصافية عبر الشبكة العنكبوتية : لتوجد هناك اللوبي الخطير وشعبة من أحزاب التفكير السلبي ضد الفكر السلفي متحركين مع نياتهم السالبة وأفكارهم النافقة وإنهم ليحاولون إغراء المسلمين  وتنفيرهم من العقائد السليمة والعمل بالكتاب والسنة بتقديم الشبهات الهدامة في العلماء وأفكارهم واجتهاداتهم . ولا يبالون في النيل منهم في بعض أخطاءهم الاجتهادية .
(6) تنفيرالناس من التعليمات الإسلامية  باسم الإرهاب : إنه لا يخفى على الناظر في السياسة العالمية المغرية السالبة ما لحق بالمسلمين من المتاعب في الآونة الأخيرة وحتى الآن باسم الإرهاب . والمسلمون مستهدفهم عالمياً .  وقد استغل به المتطرفون وأعداء الإسلام ضد المسلمين في كافة أنحاء العالم . ونفس الفكرة توجد في أذهان الهنادك المتطرفين وقد تم النجاح لهم بهذاالأسلوب المصدرمن المنهج العالمي لتشويه صورة الإسلام الصافية فالمنحرفون من المنهج الإسلامي الصحيح اغتروا من الدعايات والإشاعات الكاذبة ضد الإسلام و المسلمين.
(7) التغلب على أذهان الشباب المسلم باسم الترابط الاجتماعي بطرق الصحافة الصفراء ووسائل الإعلام المتلونة بالدعاية الكاذبة لخدمة الوطن وأهله بلغة القوم المستهدف (المسلم) للقضاء على أفكارهم السليمة والتغلب عليهم كلياً وتشويه صورة الإسلام والمسلمين أوتقديمها بصورة غيرنقية . والمغترون من الشباب بأعمالهم الخداعة لم يدركوا ماتكمن قلوبهم من كراهية وتهيج وحسدللإسلام والمسلمين . والله المستعان  .

ليست هناك تعليقات: